فصل: الشاهد الثاني بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.راستيلاء نور الدين محمود العادل على دمشق وإنقراض دولة بني تتش من الشام.

كان سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل قد توفي سنة أربع وأربعين وملك أخوه قطب الدين وانفرد أخوه الآخر نور الدين محمود بحلب وما يليها وتجرد لطلب دمشق ولجهاد الإفرنج واتفق أن الإفرنج سنة ثمان وأربعين ملكوا عسقلان من يد خلفاء العلوية لضعفهم كما مر في أخبار دولتهم ولم يجد نور الدين سبيلا إلى إرتجاعها منهم لاعتراض دمشق بينه وبينهم ثم طمعوا في ملك دمشق بعد عسقلان وكان أهل دمشق يؤدون إليهم الضريبة فيدخلون لقبضها ويتحكمون فيهم ويطلقون من أسرى الإفرنج الذين بها كل من أراد الرجوع إلى أهله فخشى نور الدين عليها من الافرنج ورأى أنه أن قصدها استنصر صاحبها عليه بالإفرنج فراسل صاحبها مجير الدين واستمالة بالهدايا حتى وثق به فكان يغريه بأمرائه الذين يجد بهم القوة على المدافعة واحدا واحدا ويقول له أن فلانا كاتبني بتسليم دمشق فيقتله مجير الدين حتى كان آخرهم عطاء بن حافظ السلمي الخادم وكان شديدا في مدافعة نور الدين فأرسل إلى مجير الدين بمثلها فيه فقبض عليه وقتله فسار حينئذ نور الدين إلى دمشق بعد أن كاتب الأحداث الذين بها واستمالهم فوعدوه وأرسل مجير الدين إلى الإفرنج يستنجده من نور الدين على أن يعطيهم بعلبك فأجابوه وشرعوا في الحشد وسبقهم نور الدين إلى دمشق فثار الأحداث الذين كاتبهم وفتحوا له الباب الشرقي فدخل منه وملكها واعتصم مجير الدين بالقلعة فراسله في النزول عنها وعوضه مدينة حمص فسار إليها ثم عوضه عن حمص بالس فلم يرضها وسار إلى بغداد واختط بها دارا قرب النظامية وتوفي بها واستولى نور الدين على دمشق وأعمالها واستضافها إلى ملكه فجلب وانقرض ملك بني تتش من الشام والبلاد الفارسية أجمع والبقاء لله وحده والله مالك الملك لا رب غيره سبحانه وتعالى.

.الخبر عن دولة قطلمش وبنيه ملوك قونية وبلاد الروم من السلجوقية ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم.

كان قطلمش هذا من عظماء أهل هذا البيت ونسبه مختلف قطلمش بن بيقو وابن الأثير تارة يقول قطلمش ابن عم طغرلبك وتارة يقول قطلمش بن اسرائيل من سلجوق ولعله بيان ذلك الاجمال ولما انتشر السلجوقية في البلاد طالبين للملك دخل قطلمش بهذا إلى بلاد الروم وملك قونية وأقصرا ونواحيها وبعثه السلطان طغرلبك بالعساكر مع قريش بن بدران صاحب الموصل في طلب دبيس بن مزيد عندما أظهر الدولة العلوية في الحلة وأعمالها فهزمهم دبيس والبساسنيري كما تقدم في أخبارهم ثم عصى على السلطان البارسلان بعد طغرلبك وقصد الري ليملكه وقاتله البارسلان سنة ست وخمسين فانهزم عسكر قطلمش ووجد بين القتلى فتجمع له البارسلان وقعد للعزاء فيه كما تقدم في أخبارهم وقام بأمره إبنه سليمان وملك قونية وأقصرا وغيرهما من الولاية التي كانت بيد أبيه وافتتح إنطاكية من يد الروم سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقد كانوا ملكوها منذ خمس وخمسين وأربعمائة فأخذها منهم وأضافها إلى ملكه وقد تقدم خبر ملكه إياها في دولتهم وكان لمسلم بن قريش صاحب الموصل ضريبة على الروم بانطاكية فطالب بها سليمان بن قطلمش فامتعض لذلك وأنف منه فجمع مسلم العرب والتركمان لحصار إنطاكية ومعه جق أمير التركمان والتقيا سنة ثمان وسبعين وانحاز جق إلى سليمان فانهزم العرب وسار سليمان بن قطلمش لحصار حلب فامتنعت عليه وسألوه الإمهال حتى يكاتب السلطان ملك شاه ودسوا إلى تاج الدولة تتش صاحب دمشق يستدعونه فأغذ السير واعترضه سليمان بن قطلمش على تعبية فانهزم وطعن نفسه بخنجر فمات وغنم تتش معسكره وملك بعده إبنه قلج أرسلان وأقام في سلطانه ولما زحف الإفرنج إلى سواحل الشام سنة تسعين وأربعمائة جعلوا طريقهم على القسطنطينية فمنعهم من ذلك ملك الروم حتى شرط عليهم أن يعطوه إنطاكية إذا ملكوها فأجابوا لذلك وعبروا خليج القسطنطينية ومروا ببلاد قلج أرسلان بن سليمان بن قطلمش فلقيهم في جموعه قريبا من قونية فهزموه إلى بلاد ابن ليون الارمني فمروا منها إلى إنطاكية وبها باغيسيان من أمراء السلجوقية فاستعد للحصار وأمر بحفر الخندق فعمل فيه المسلمون يوما ثم عمل فيه النصارى الذين كانوا بالبلد من الغد فلما جاؤا للدخول منعهم وقال أنا لكم في محلفكم حتى ينصرف هؤلاء الإفرنج وزحفوا إليه فحاصروه تسعة أشهر ثم عدا بعض الحامية من سور البلد عليهم فادخلوهم من بعض مسارب الوادي وأصبحوا في البلد فاستباحوه وركب بغيسيان للصلح فهرب ولقيه حطاب من الأرمن فجاء برأسه إلى الإفرنج وولي عليها بمشد من زعماء الإفرنج وكان صاحب حلب وصاحب دمشق قد عزما على النفير إلى إنطاكية لمدافعتهم فكاتبهم بالمسالمة وأنهم لا يعرضون لغير إنطاكية لغير إنطاكية فأوهن ذلك من عزائمهم وأقصروا عن انجاد باغيسيان وكان التركمان قد انتشروا في نواحي العراق وكان كمشتكين بن طبلق المعروف أبوه بالوانشمند ومعناه العلم عندهم قد ملك سيواس من بلاد الروم مما يلي إنطاكية وكان بملطية مما يجاورها متغلب آخر من التركمان وبينه وبين الوانشمند حروب فاستنجد صاحب ملطية عليه الإفرنج وجاء بيضل من إنطاكية سنة ثلاث وتسعين في خمسة آلاف فلقيه ابن الوانشمند وهزمه وأخذه أسيرا وجاء الإفرنج لتخليصه فنازلوا قلعة أنكورية وهي أنقرة فأخذوها عنوة ثم ساروا إلى أخرى فيها إسماعيل بن الوانشمند وحاصروها فجمع ابن الوانشمند وقاتلهم وأكمن لهم وكانوا في عدد كثير فلما قاتلهم استطرد لهم حتى خرج عليهم الكمين وكر عليهم فلم يفلت منهم أحد وسار إلى ملطية فملكها وأسر صاحبها وجاءه الإفرنج من إنطاكية فهزمهم.